أيام جامعة بغداد 1971

مواقع مختارة

سجل الزوار

نيسان الربيع والاربعاء

نيسان الربيع والاربعاء
أنباء مصورة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

البوم الصور

المتواجدين حاليا

حقوق مهضومة

سفو قوال سليمان
آذار 2008 هانوفر
بعد خمس سنين من سقوط النظام السابق، و17 سنة من الادارة الكردية في اربيل، تبقى سنجار المحتضرة غارقةً في سباتها، مهمشةً مغيبةً، وكأنها تعيش في القرن التاسع عشر وليست جزءاً من الوطن العراقي، وهويته. فهي باتت معلقةً، مابين بغداد واربيل ، فلا بغداد تمسح عنها بعض الالم والفقر وتدخلها ضمن عراقها المفترض بناءه، ولا اربيل، تلتفت إليها، في وقتٍ كانت هي الحلم السنجاري منذ زمن كردستان البعيد، الذاهب إلى الحرية والانعتاق، حتى باتت هذه الأخيرة سراباً ، لابل كابوساً يؤرق السنجاريين، ويحطم أحلامهم .

فبارونات اربيل المكتنزة والتي تتحكم بكل المنافذ المحيطة بسنجار، كما تتحكم فعلياً بمحافظة نينوى، تفرض اجندتها الخاصة، وهي المسؤولة المباشرة عن تجويع السنجاريين، فهي التي تتحكم بأمنها، وهي التي تركت خاصرتها مفتوحةً، لخروج ودخول انصار السنة الدمويين منها وإليها. قبل مايقرب الاربعين عاماً، انتفضت سنجار كردياً، لتعلن أنها الطرف الأساس والمهم في بناء الحلم الكردي، وعلى اثرها خسرت الكثير الكثير، حيث الجرافات لم تبقِ طابوقة طينية واحدة في اكثر من 200 قرية، وتم اقتياد السنجاريين إلى مجمعات قسرية، فضلاً عن الانتقام المنظم الذي مورس بحقهم ، وآخر الإنتقام، كان مشروع التطهير العرقي الذي لم ينفذ بفعل الظروف الاخيرة للعراق ، حيث كان هذا الأخير يرمي الى مسح سنجار بالكامل، من الخريطة العراقية، ونقل اهلها جنوباً، وتوزيعهم على القرى العربية بغية صهرهم قومياً.

رغم هول العاصفة المدمرة التي اجتاحت سنجار، والتي شبهت بالضربة النووية لتعلن فرماناً جديدا ورغم صراخ الكتاب والمثقفين للكشف عن فداحة الجريمة بحق شعب مسالم ، إلا أن مشاعر حكام اربيل المكتنزين لم تتحرك قط، لتعيد وإن بعض النظر في قضية سنجار المغيبة، لابل والأنكى انها وفرت فرصا جديدة للاكتناز. فالظاهر، هو انهم لايرون في سنجار غير العقال الذي لبسة بعض الايزيدين كتقية للعيش والعمل .

ان فاجعة سنجار دشنت لنكسة ايزيدية، في تحطيم روح المقاومة والاباء والمطالبة بالحقوق المشروعة ، فلم يعد هناك شئ يستحق ثقة الايزيدين كي يأتمنوا إليه.

يمتلك الايزيديون حس سياسي متقدم ونزعة علمانية متميزون بها كنتيجة للمظالم التاريخية المتعاقبة التي حلت بهم . فالقتل الجماعي المستديم والمذابح المستمرة تحت ذرائع دينية جعلت من التاريخ الايزيدي عبارة عن موت ومقاومة . كما جعلت منهم تواقين لمنهج سياسي علماني لتقويض التمييز الديني.

انخرط الايزيديون في الاحزاب العلمانية مبكراً، كالحزب الشيوعي والحركة القومية الكردية، وتميزوا بدور محوري وقدموا تضحيات كبيرة في دعم الاطر السياسية الجديدة حيث تحولوا إلى حطب لثورة متقدة طبقياً في مواجهة الاقطاع ، وقومياً كردياً في سبيل التحرر والانعتاق .

بعد سيطرة البعثين والقوميين سنة 1963 على السلطة واندلاع الثورة الكردية كانت القرى الايزيدية في منطقة ولات الممتدة من بحزاني وبعشيقة مروراً بقضاء الشيخان وبن كند وصولاً الى لحفة القايدية والدنا والهويرية في زاخو ، تشكل خطاً فاصلاً بين الكرد والعرب ، والتي تحولت الى ساحة عمليات عسكرية وامنية. يدخلها البيشمركة ليلاً لجمع الارزاق ، ويستبيحها الجيش العراقي في النهار.

لقد عانى الايزيديون كثيراً في سبيل توفير المؤن والدعم اللوجستي للثوار الكرد، كما تحملوا الكثير في مواجهة العسكر، والذي زاد من حالهم سوءاً هو استباحة الجحوش الكردية السيئة الصيت للقرى الايزيدية، وذلك تحت حجج تتبع البيشمركه، مما ادى الى تعرضها للتدمير والحرق واخيراً التجريف للقرى المتبقية. والجدير ذكره، هو تكرار حرق الكثير من القرى لمرات ثلاث، بعد عودة اهاليها وبنائها مثل قرى القايدية والهويرية.

آلاف العوائل شاركت في الكفاح الكردي وقدمت كل ما لديها، آملين في غدٍ مشرق بلا مظالم أو قتل أو تمييز، معتبرين الكردياتي هي الخلاص والنهاية للموت المؤدلج دينياً، وذلك للفوز بكردستان الحلم، ليكون الإنسان والمواطنة، الأعلى فيها .

لم يكن الايزيديون المساكين يعلمون بأنه ليسوا سوى ارقاماً خاطئة في حسابات متغيرة حسب الاهواء والمصالح ، يحتسبون ايام الكفاح والتضحيات والموت ، ويغلق عليهم الستار بعد الاستقرار وتوزيع الغنائم .

أما الآن، بعد توزيع الكعكة العراقية، فلا هم بكرد ولا بعرب، ولا هم بعراقيين أرضيين ولا هم بسماويين. انهم لا يساوون أيّ شئ، هم مجرد كتل بشرية في اللازمان واللامكان. دونهم صدام عربا عنوة في سجلاته ، والغى عنهم كل ما للعرب من امتيازات وشملهم بكل المنغصات، أعفي عن الكورد المحكومين سياسيا بالاعدام، فيما أعدم الايزيدين وأقرانهم. فكل مكروه يشمل العرب والكورد ينفذ على الايزيديين ، وكل قرار مفيد لايشملهم.

الانهيار السياسي الكردي سنة 1975 والفراغ القيادي اتاح الفرصة للايزيدين في الكشف عن مكنوناتهم فكان انتاج البطل محمود الايزيدي الذي اعاد الثقة للنفس الكردية المنهزمة واعطاها الامل في الغد الكردي الموعود .

فالايزيديون شجعان ومخلصين، هذا ما اثبتته سني الحرب العراقية الطويلة، لو احتضنتهم كردستان الرسمية لوفرت لنفسها نصف مليون مؤازر يقدم لها كل شئ. صدام فهم ذلك في زمانٍ ما، لذا حاول استمالتهم وتقريبهم إلى جيش "جمهوريته"، وذلك عبر الاعتماد عليهم في حلقات امنية مهمة، لحفظ نظامه، ولكن الايزيديين امتنعوا عن ذالك. في حين أنّ القيادات الكردية لم تفهم الإيزيديين كرقم رابح في معادلاتهم، للآن، والظاهر أنها هذا لا تريد ان تفهم ذلك، لانها مشغولة بما هو أهم: السلطة المستسخة من أنظمة الجيران.

الايزيديون يشكلون عشرة بالمئة من الكورد و20% من منطقة البارتي في القسم الغربي ، ويفترض ان تكون نسبتهم خمس القيادة، ولكن قيادة البارتي والايكيتي خالية منهم، ولم يصل للآن، إيزيدي واحد لقيادة الحزبين على مدى كل تاريخهما، وبهذا يعتبر الايزيديون مغيّبون عن اي قرار كردي. في العراق السابق، كان هناك قرار صدامي يقول نفذ ثم ناقش، ولكن الآن، القرار الكردي الرسمي يقول نفذ ولاتناقش. وصل الامر الى حد ابعادهم عن برلمان بغداد وتحجيم الدور الايزيدي المحجم اصلاً .

وزيران بالاسم أو موظفان في مجلس الوزراء، صلاحياتهم هي فقط ان يشربوا القهوة مرةً او حلوة. برلمانيون يحسبون قدوم اول الشهر للحصول على الرزق الحلال. هيئات استشارية ومكاتب شأنية تستلم المقسوم عن خدماتها في عملية ترويض الايزيدين. انه لامر مؤسف جداً، ان نعتقد بأن صداماً قد مات، لكن الحقيقة، كما تبدو، هي بعكس ذلك، فصدام لايزال حياً يُرزق، يحكم فينا ويفعل فينا ويشتم فينا.

بموازاة الهيئة الاستشارية في دهوك وضمن الصراع الابدي بين شرق كردستان العراق وغربه تكون مكتب شؤن الايزيدية في السليمانية كرديف بامتياز للهيئة ، وجعل من رئيس المكتب مستشاراً لرئيس حزب الاتحاد الوطني مام جلال ، لاعطاء اهمية خاصة للمكتب وليكون فاعلاً . بدأت البداية موفقة في تسجيل انجازات مهمة ، وكان ابرزها تعيين شخصيتن مستقلتين بوظيفة مستشار رئيس الجمهوية مام حلال، ومدير عام اوقاف الايزيدين وذلك بعد تشكيل المديرية العامة لاوقاف الايزيدين، وتم من ثم، تعيين حكام اثنين من ايزيديي شنكال في السليمانية بعدما تم ابعاد الحاكم الوحيد في دهوك بطريقة ذكية، تلافياً لاعتراضات اصولية. كانت كوادر الاتحاد الوطني، في البدء، اكثر تفهماً لخصوصيات الايزيدين واكثر تفاعلاً معها، لكن وظيفة مستشار رئيس الجمهورية أسالت لعاب الكثيرين منهم، باعتبارها وظيفة حيوية وفرصة مهمة للاتجار السياسي. فبدأ الصراع الكبير بين تلك الكوادر وتحولت الى اشبه ماتكون بالديناصورات لتنقض على بعضها البعض

كانت كوادر الاتحاد الوطني، على ما ظهر في البدء، اكثر تفهماً لخصوصيات الايزيدين واكثر تفاعلاً معها، لكن وظيفة مستشار رئيس الجمهورية أسالت لعاب الكثيرين منهم، باعتبارها وظيفة حيوية وفرصة مهمة للاتجار السياسي. فبدأ الصراع الكبير بين تلك الكوادر وتحولت الى اشبه ماتكون بالديناصورات لتنقض على بعضها البعض. عندما اعلنت قوائم الترشيح للبرلمان العراقي وخلت من الايزيدين المستحقين في اقل تقدير خمس مرشحين مؤكدين ، كان لابد لي بصفتي مدير عام للاقاف ان اتخذ موقفا مناسباً لمعالجة تغييب الايزيدين عن أهم جهة، وهي البرلمان العراقي المنتظر منه تشريع القوانين وفقا للدستور المقر ، فاصدرت رسالة مقتضبة تقول ، اذا غيبتمونا عن البرلمان فسندعو لعدم التصويت لكم ، وكان الهدف من الرسالة معالجة الامر قبل ان يستفحل ، فبعدما يبعدون عن البرلمان وثم سينأوا بنفسهم عن كردستان ، كنت حينها في السليمانية ، حيث وجدت الاخ جميل خدر في وضع محرج جدا وبذل مجهودا كبيرا دون أن يكترث احد ، بل كانت هناك بعض الوعود الخاوية الغير صادقة . فاكتشف الإيزيديين كم كانوا بائسين، نصف مليون انسان لايستحق اهتماماً ولو بسيطاً. تدخل الاخ المستشار الدكتور ميرزا بموقف جريء ولكنه خرج عن المألوف في شطحة اعطت الفرصة للقطط المتوثبة للانقضاض على التجربة الايجابية واتهامنا بالإصولية الايزيدية، رغم اننا علمانيين حتى العظم، وأننا محسوبون على التيار الكردي العلماني ، فتم بالنتيجة عزل المستشار بجرة قلم ، وكان يصعب عزلي لأنني مرتبط بمجلس الوزراء. فهمت ان الامور تجري بشكل معاكس فحاولت تقديم استقالتي تضامنا مع الدكتور ميرزا ، ولكنه اقنعني بالبقاء لانجاز مهمات الاوقاف والمقاومة الى النفس الاخير.

بعد الارباك الكبير الذي حصل ، قام البعض بمراجعة مواقفهم واعادة حساباتهم فلم يعد الملف الايزيدي في السليمانية رقماً محسوباً له ، حيث حل محله الصراع الداخلي بين الديناصورات الايزيدية .

لقد كانت تجربة رابطة التأخي والتضامن ذي المنهج المستقل والعلماني تجربة فريدة لشباب طموح واعي ، جلهم من خريجي الجامعات ومن طلبتها اللذين خاضوا نضالاً مريرا في الحفاظ على خطهم المستقل ، ففي الوقت الذي كان فيه صقور لالش يريدون الانقضاض عليهم، كانت سلة مكتب الشؤون تنتظرهم لاحتوائهم .

شباب نشط ينشر الصحف والمجلات الرصينة ، حائر في تمويلها وحائر في من سيسند ظهر الرابطة ويوقف التحرش بها وجرها إلى كمائنها. بعض العوائل تريدها واجهة لها لتسويق بضاعتها وللتغطية على جشعها في الاستثمار والارتزاق السياسي ، والاخر يريد الغائها لانه لم يتمكن من ترويضها .

هناك جمعيتين أو أربع جمعيات وهمية ممولة من رئاسة الجمهورية، اين تذهب اموالها ، العلم عند وكيل السلطان ولارحمة للمغفلين .

رواتب لرجال الدين، انه لامر جميل بعدما شفط الامير المفدى كل الواردات الدينية وكنس بيت المال. ولكنها تحولت الى وسائل الاستحواذ السياسي ، والتسلط على المؤسسة الدينية . الامر الذي ترفضه الكنيسة المسيحية في استلام رجال الدين لرواتبهم من الدولة لكي تبقى الكنيسة حرة ومستقلة . ولكن رجال الدين الايزيدين يتراكضون مطيعين للجنتين المبجلتين في دهوك والسليمانية . وقد كان اسلوب المكتب اكثر تخلفا في توزيع الرواتب لرجال الدين حسب الامزجة والولاء الشخصي او السياسي .

أما المثقفون الايزيديون فيتحركون فقط في الهواء النقي وعندما تشرق الشمس ، وعندما يتلوث الجو بالفكر الشمولي والهيمنة ويسود الظلام الفكري ، يتراجعون الى جحورهم . العامل الموضوعي عادة مايكون كبيرا ومؤثرا بقوة في حركة المثقف الايزيدي ويطغي على العامل الذاتي . فالفرد الايزيدي هو سجين الظروف المحيطة به وهي التي تحدد مساره وتقنن نشاطه ، والامر يتعلق بقضيه اهم واخطر ، وهي هل الفرد الايزيدي يعتبر مواطنا يتمكن من تحقيق ذاته ، ويحق له المشاركة وابداء الرأي؟

فبعد انتظار طويل وسنين عجاف مليئة بالدماء والتضحيات والمقاومة في سبيل البقاء والتحرر يصطدم المثقف الايزيدي بزوبعة الطائفية والموت على الهوية و ليجد نفسه غي قادر على فهم التفاعلات الفكرية والسياسية ، وغير قادر على الانتاج الثقافي ، مما يزيد حالة الاغتراب التي يعاني منها والانطواء الى الذات ، اضافة الى حالة اليأس من التغيير وعدم الثقة في المستقبل ، مما يخلق عنده حالة نكسة فكرية وثقافية تشبه نكسة العرب سنة 1967 ونكسة الكرد بعد انهيار الثورة الكردية سنة 1975 .

فالقمع الفكري والطغيان الثقافي اصبح جزء من حالة سائدة ومستديمة وكأنها الواقع الازلي ، والحقيقة التي لن تتغير ، لذا نجد كماً كبيراً من المداحين يلتفون حول اطراف قوية لكي تحميهم وينشدون لها ويبررون هفواتها .

فرغم الشجاعة الفائقة والنادرة للانسان الايزيدي ورغم الاخلاص المتميز والكبير الذي ينفرد به، لم يتمكن ايزيدي واحد ان يصل الى مركز القرار في حزب سياسي او سلطة ، ولم توفر له الفرصة لتحقيق ذاته ، ولم يتمكن من الشعور بالمواطنة الحقيقية . هذا لايوفر له الحماية الاجتماعية من انتمائه الطائفي ، مما يصبح ثقلا كبيرا عليه ، يقيده ويقلص مساحة حركته ويجعله اسيرا لهذا الانتماء .

0 التعليقات:

ترجم المدونة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean

مقالات الكاتب

أرشيف المدونة الشهري

آخر الأخبار من بحزاني نت

المواضيع العشرة الأخيرة

متى تشرق الشمس

توقيت برلين

موسوعة ويكيبيديا