سفو قوال سليمان

سفو قوال سليمان
رئيس تحرير بحزاني نت

29122007 هانوفر

بسقوط وانهيار نظام الحكم البائد في العراق الذيألحق أضراراً فادحة بمكونات الشعب العراقي عموما والمرأة خصوصا وحقوقها وما حققته قبل ذاك من منجزات ومكتسبات ملموسة في نضالها الطويل ضد الاضطهاد والتعسف واستلاب حقوقها , تصاعدت أمال الاقليات والنساء في بناء مستقبل حر وانساني خال من القمع والخوف والتمييز ، الا ان القوى الرجعية والقبلية قد بدأت في محاولة تجريد المرأة من انسانيتها. فالمرأة تواجه الان مخاطر فرض المزيد من الاستلاب والتهميش من لدن قوى تسعى لتكريس وفرض مفاهيم عشائرية وذكورية مجردة من القيم الانسانية مما يعني دونية المرأة وترسيخ التمييز وسحق كرامتها الانسانية . قبل أكثر من خمسة آلاف عام على شرع حمورابي القوانين التي حفظت حقوق النساء والأطفال والفقراء، فكيف يقبل الرجل العاقل الان ان يُحرمها من حقوقها الإنسانية ؟ كيف تستطيع المرأة أن تربي رجالا يضطهدونها ويسلبوا منها حقوقها؟ فالمرأة أعظم من أن تكون وسيلة جنسية لاشباع الرغبات الجامحة للرجل واعظم من ان تكون سلعة تباع وتُشترى من قبل الرجال .

ان جرائم الشرف تمثل أحد العادات الأكثر بدائية المتوارثة في مجتمعاتنا والتي تشكل ظاهرة خطيرة بدأت تتفاقم في المجتمع الكوردستاني , فبالرغم ان نسبتها قليلة في المجتمع الايزيدي قياسا لعموم كردستان . لكن جريمتين نوعيتين حصلت بحق نساء صغيرات احداهما في الشيخان والاخرى في بحزاني هزتا الضمير الانساني ودللت على الفشل الذريع للمرجعية الدينية والعشائرية وبؤس تفكيرها في التعامل السلبي مع هذه الاحداث , بل انها لعبت دور الشريك والمحرض لتلك الاحداث البائسة التي سجلت كوصمة عار .

تنامت المفاهيم العشائرية في زمن ضعف الدولة بعد فشل الجيش الشعبي اثناء حرب ايران في منتصف الثمانينات وترسخت سنة 2003 بعد سقوط النظام وظهور فراغ امني وسياسي , والتي ادت الى تراجع القيم المدنية و الى تقويض دور المرأة وتكريس زواج الاقارب وسلب ارادة المرأة لصالح سلطة العشيرة .

وكان من نتائجها زيادة العنف ضد النساء وتضييق الخناق عليهن مما ادى الى بهن الى ممارسة العنف ضد انفسهن في عمليات انتحار راح ضحيتها العديد من النساء والتي تفاقمت مؤخرا نتيجة الافتراق النفسي أو الفكري كحل سلبي لاشكالات لم يجدوا سبيلا اخر لحلها .

ففي ظل غياب مؤسسة دينية وتشريع ديني مكتوب للايزيدين جرى التعامل وفق مفاهيم عشائرية مع قضية الميراث والتركة والمهر . وكان المهر يزداد مع قوة التقاليد العشائرية . فمثلا في السبعينات كان المهر محددا لدى الايزيدين وكان بمقدار 110 دينار في بحزاني وبعشيقة و150 دينار في منطقة ولات و220 دينار في سنجار . فالمهر يتناسب عكسيا مع الحالة المعاشية والفقر , حيث كان اهل بحزاني وبعشيقة يعتبرون مترفهين قياسا مع منطقة ولات , اما سنجار فقد كانت تعاني من فقر مدقع والقلة القليلة كانت قادرة على دفع المهر , بحيث كان يلجأ الى تقسيط المهر لسنوات عديدة , وهذا ماشجع على زواج التمرد رفاندن حيث تقوم الفتاة والفتى بتجاوز اعراف الزواج التقليدي والهروب معا واعلان زواجهما ليضعا العائلتين امام الأمر الواقع .

الكثيرين كانوا يعتبرون زواج التمرد نقطة ضعف كبيرة في المجتمع الايزيدي بل علامة عار تلطخ سمعة مجتمعنا الرجولي , ولكن بالعكس من ذالك لعب هذا التقليد دورا خطيرا في التصدي للزيجات القبلية والقسرية واعطى للمرأة الايزيدية مساحة واسعة من الحرية في اختيار شريك حياتها , فاصبح صعبا ان تفرض زيجة قسرية على الفتاة . ومن هنا نستنتج بان الفتاة الايزيدية تمتلك حرية واسعة في اختيار شريك حياتها قياسا بالمجتمعات المحيطة بالايزيدين . بعد اغتراب الايزيدين داخل وطنهم وارض اجدادهم بدأوا بهجرة واسعة وتكاد تكون شاملة , فالاف الشباب الايزيدي اللذين ركبوا البحر وتحدوا المخاطر للبحث عن الحرية وحياة بلا تمييز وبلا طائفية تركوا ورائهم الالاف من النساء العوانس اللذين اصبحوا يشكلون كارثة حقيقية , حيث هذا الجزء الكبير من المجتمع المعطل عن ممارسة حياته الانسانية وتحقيق حلمه في بناء عائلة وممارسة حق الامومة .

المؤسف نادرا من يفكر بارسال بناته الى بلاد الغرب لاسباب اجتماعية ومصاعب الطريق الذي يعرض المهاجر الى مشاكل كبيرة , فيحرمن من الهجرة وتختل المعادلة بين الشباب والشابات , وتتقلص فرص الزواج بالنسبة للنساء وتكبرحشود العوانس .اجحاف كبير وقع بحق النساء وظلم سيستمر الى نهاية حياتهم . سيتشكل جيش المحرومات من مباهج الحياة والذي يمكن ان يكون قنبلة موقوتة قد ينفجر في أي وقت .

المثقفة الايزيدية تعاني من البؤس الاجتماعي فهي اسيرة لما يرسمه لها الرجل ويجعل منها انثى جميلة فقط , يعظم مظهرها ويستصغر ارادتها وشخصيتها الانسانية . وقد تعودت النساء على ذالك , ففستان عرس لهن اهم من قانون الاحوال الشخصية . حيث المئات من النساء المتعلمات او الخريجات يعشن الان في اوربا , ولكن اصواتهن مبحوحة الا عدد قليل لايتجاوز عدد اصابع اليد . فلا يعقل ان يقوم الرجل بتبنى قضية النساء والمرأة نائمة في سبات . فعلى المرأة المتعلمة وخريجات المعاهد والكليات ان تأخذ دورها في الحياة وان تتبنى قضيتها .

ففي الوقت الذي بدأت اصوات الرجال ترتفع عاليا في الدفاع عن حقوق المرأة , فان صوت المرأة لازال مغيبا , والاكثر غرابة اني صدمت مع عدد من النساء بعد ان قمنا بتبني قضيتهم في اعلامنا وجدتهن غير مكترثات بهذا الامر بل كان البعض منهن مستغربات من سر اهتمام الرجال بهذا الموضوع , وكثيرات غير مقتنعات بان يكون للمرأة حصة في الميراث . نعم ان قضية المساوات بين المرأة والرجل لايمكن المساومة عليها من الناحية الانسانية والقانونية ولابد من تضمين القانون المرتقب اصداره مساواة كاملة بينهما , وفي نفس الوقت علينا ان ننتبه الى امور مهمة وان نعالجها بروية بعيدا عن العواطف والشعارات الجميلة . فالحلم بمجتمع متحضر تتحقق فيه المساوات الحقيقية بين البشر شيئ والواقع شئ اخر . فمئات السنين من واقع صعب فرض على الايزيدين لانهم يؤمنون بديانتهم وأبدو استعدادا كبيرا بل فريدا في الدفاع عن معتقداتهم , مما جعهلم مشروع حرب دائم لمسحهم عن الخريطة البشرية , هجمات مستمرة وحروب دائمة , قتل وذبح الاطفال والعجائز وسبي النساء وبيعن في اسواق بغداد واستنبول , مما ادى الى عسكرة المجتمع الايزيدي وابراز دور الرجل القوي في الدفاع عن اسرته واطفاله وحفظهم من مشاريع الموت المتعاقبة .

ماذا يمتلك الايزيدي , ارض صغيرة في قرية , سرعان ماتبدا هجمة ابادة لتقتل اكثرية اهل القرية والقرى المجاورة وينهزم الناجون الى الكهوف , وبعد ان تستقر الاوضاع يعود اهل تلك القرى الناجون ليبنوا قرية جديدة , مجموعة قرى تنتهي بقرية جديدة .الايزيدي لايملك غير الايمان والشجاعة والاصرار على الحياة , والمرأة تريد من الرجل ان يحميها هي واطفالها .

الى وقت قريب كان اكثر الايزيدين لايملكون شيئا , فالكثير منهم قبائل رحل غير مستقرين , والاخرين يعيشون في اراضي قليلة النفع , فالاراضي المثمرة تم اغتصايها من قبل جيران الايزيدين . ففي سنجار مثلا الى قبل عدة سنوات الملكية هي عبارة عن بيت من الطين لاقيمة له , والارض الزراعية تعطي ثمارها سنة واحدة ولاتثمر سنتين او ثلاث سنين وهي ايضا عديمة الفائدة , فماللذي يملكه الرجل ليعطية للمرأة اذن الملكية أمر حديث في حياة الفرد الايزيدي , واذا كانت المرأة لاترث في التراث الاجتماعي الايزيدي وليس الديني لان النصوص الدينية الايزيدية تنصف المرأة لحد ما لايمكن عزل الموضوع عن الضروف الكفاحية التي يعيشها الشعب الايزيدي من اجل البقاء .

نستنتج من ذالك انه لابد من سن قوانين تنصف المرأة وتعيد بناء دورها في المجتمع , وفي نفس الوقت ان نراعي الذهنية التراكمية للمجتمع بحيث نعطي فرصة زمنية قبل تنفيذ تلك القوانين لتصفية القضايا القديمة العالقة .

1ـ لذا نناشد جميع النساء من كاتبات ومثقفات وخريجات الخروج من القبو والمشاركة في حملتنا الهادفة إلى مناهضة وفضح كل أشكال التمييز الرجعي و مساندة ودعم المرأة الايزيدية في نضالها من اجل مجتمع ودستور مدني ديمقراطي علماني حضاري يضمن لها المساواة الكاملة وتوحيد الجهود من اجل دحض هذه الهجمة الرجعية.

2 ـ ان تبدأ النساء في اوربا بتكوين رابطة الدفاع عن حقوق المرأة وبمساندة الرجل لها , وان تتبنى القضايا المحورية في حياة النساء وتضع البرامج للعمل من اجل تحقيقها .

3ـ القيام بحملات نشيطة على مستوى الحوار في غرف البالتاك والصحافة الالكترونية وعقد المؤتمرات .

4 ـ بما ان ايزيدية اوربا يتمتعون بقدر وافي من حرية الحركة وصوتهم مسموع , لذا يقع عليهم تولي الامر بجدية وتشكيل لجان من القانونين والنساء وعقد اجتماعات موسعة وتقديم الحلول لتلك المعظلات .

5ـ الابتعاد عن التعامل العاطفي مع المعظلة النسائية , بل اللجوء الى دراسة الواقع الايزيدي والعمل على تغيره وفق معطيات عصرية وانسانية . والاهم التعامل مع قضية الارث بشكل ايجابي ,ان يجري احترام مشاعر ومفاهيم الناس التي تكونت عبر التقنين القبلي للكثير من القضايا الاجتماعية . بحيث لاتكون القوانين بأثر رجعي .

6ـ ان تتخلى الامارة عن الادارة الاقطاعية والفردية للامور الدينية والدنيوية للايزيدين وان تلجأ لبناء مؤسسات دينية مقننة وفق وسائل عصرية . وان تحترم ارادة شعبها , وعكس ذالك سيكون للايزيدين الحق في تغيير مرجعيتهم التي تعيش عقلية العصور الوسطى , هذه المرجعية التي تمسك بيدها العصا لتدير شعبها , حيث تعتقد انهم مجموعة من العبيد .