اعباء بعض التقاليد الاجتماعية على كاهل المغتربينسفو قوال سليمان
قنديل في 6 ـ01 ـ 2002
لقد تركنا اوطاننا وتغربنا بحثال عن الحرية وتحقيق الذات , فاذا بنا نجد انفسنا نغرق في عادات وتقاليد بدأت تسلبنا حريتنا , بل جعلنا اسرى لواقع اجتماعي اخذ بالاستفحال يوما بعد آخر .
كانت مناسبات وحفلات الزفاف والختان والعزاء في الوطن مسائل إجتماعية حيوية وتعطي للمجتمع خصوصياته وتزيد من ترابطه وتماسكه . لقد كانت البيوت والقرى متقاربة من بعضها فلا يحتاج المرء سوى دقائق للوصول الى مكان الحفل او التعزية . فيقوم المرء بواجبه الاجتماعي على اكمل وجه .
ولكننا هنا في المانيا تشرذمنا وتفرقنا في مدن متباعدة ـ احيانا مئات الكيلومترات ـ ورغم ذالك نطبق تلك العادات بحذافيرها هنا , حتى صارت تثقل كاهلنا , بل ان بعض العادات التي نتلمسها في المهجر ابعد بكثير عما كان يطبق في الوطن . فمثلا في حفلات الزفاف يتم ايجار قاعات كبيرة ويريد صاحب الحفلة حضورا جماهيريا غفيرا و فيحرج الآخرين بدعوة مئات العوائل حتى ولو كانوا يبعدوا مئات الكيلومترات , ليدفعوا المال , فيتباهى بحجم الحضور والمبلغ الذي جمع خلال الحفلة , واحيانا كثيرة يعلن ذالك على الميكرفون .
لقد لعبت فكرة ـ جمع المال في العرس ـ دورا سيئا في زيادة المهور , لان المسألة ادت في كثير من الحلات الى مزايدات تجارية ومنافسة على حساب قيمنا الشرقية الاصيلة , والى فشل تجارب زواج كثيرة وزيادة التمزق العائلي .
اما حفلات الختان فهي الاكثر غرابة , فقد تلاشت في الوطن والبعض يريد احيائها هنا بصيغ تجارية . اما التعازي فرغم انه امرجميل ان يلتف الاصدقاء حول اقارب المتوفي , فيعطوه حافزا للصب , فيحس هو بدوره بالمؤاساة لقلل من كربه , إلا ان الامر احيانا يتجاوز الحدود .ففي حين ارى ان وفاة شخص هنا في المهجر , يحتاج منا جميعا الوقوف الى جانب اهل المتوفي وزيارتهم ومساعدتهم , خاصة وان مراسيم وتكاليف العزاء والدفن هنا غالية , وضروف الغربة صعبة, فينظر المعزي الى معارفه بعين الشوق كي يقفواالى جانبه في عزاءه .
ولكن من جانب آخر ارى ان ترتيب مجالس العزاء هنا في المانيا لاجل اشخاص توفوا في الوطن أمر يحتاج الى التافته خاصة منا . فالبعض يفتح عزاء ابن عمه او احد اقاربه من الدرجة الثالثة او الرابعة ... حتى آلت ان نخرج من عزاء لندخل عزاء أخر , وكلها بعيدة عن بعضها ز فتستنزف قوانا وجيوبنا ونترك عوائلنا واطفالنا , خاصة لايمر اسبوع ولاتحصل فيه وفاة في الوطن , ونحن هنا في المهجر علينا بدفع الضريبة .
لقد كادت بعض تقاليدنا ان تتحول الى متاجرة وتفقد مغزاها , فما دام اهل المتوفي في الوطن يقومون بواجب العزاء وفق مراسيم وأعراف دينية كل حسب عاداته , وما دام اهلنا نحن المغتربين يزورون بعضهم ويقومون بالواجب هناك , فما الداعي ان نقوم نحن بنفس المراسيم وبنفس الاسلوب مع اختاف الزمان والمكان .
ولهذه الاسباب اعتقد انه من الصواب ان تحدد هذه المناسبات بالشكل التالي :
1 ـ ان لايقوم الناس بتأجير الصالات وارسال الدعوات الرسمية في مناسبات الختان , بل اقامة مأدبة غداء لمجموعة صغيرة الجيران المقربين من المدينة التي يسكنها صاحب الحفل .
2 ـ ان تقتصر دعوات حفلات الزفاف على المعارف اللذين لايبعدون اكثر من 100 كم , فيوفر على القاطنين في اماكن بعيدة مشاق السفر , ويتم وضع حد لمنافسات تقديم الهدية المالية , وتحديدها بـ 50 مارك فقط .
3 ـ ان تقتصر مجالس العزاء على يومي السبت والاحد فقط , وعلى اللذين لايبعدون اكثر من 50 كم عن مكان العزاء , اما الساكنين في المدن البعيدة فيكتفون بالاتصال الهاتفي وان لا تقدم مبالغ مالية لاهل المتوفي , في حالة كون العزاء لاحد المتوفيين في الوطن . وكحالة استثنائية اذا كان المتوفي مقيما هنا , فيفترض بالجميع القيام بواجب العزاء , ومساعدة اهل المتوفي .
وأخيرا أتمنى انيتفهم القراء الافاضل هذه المسالة وظروفها وينظروا اليها بعين موضوعية .
نشرت في جريدة قنديل في 6/ 1/2002 |
|
0 التعليقات: